الركود التضخمي وأثره في الاقتصاد العالمي

بـ almualladev

مجلة الأمن – العدد 611 – سبتمبر 2022م

صرح ديفيد ريكاردو، عالم الاقتصاد، في كتابه «On the Principles of Political Economy and Taxation»، الذي أصدره في القرن التاسع عشر، بأن الأرض هـي أساس أي نمو اقتصادي، حيـث يرى أن قطاع الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية لدى الدول، لأنه يسهم في توفير الغذاء للسكان، وهو ما يضمن أمنهم الغذائي من جانب، ويلعب دوراً أساسياً في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لأداء اقتصاداتهم من جانب آخر، حيث تنبـأ بأن الاقتصادات الرأسمالية سوف تنتهي إلى حالة الركود بسبب تناقص العوائد في الزراعة. وهذا الذي يتضح لنا حالياً في وقتنا الحالي، إذ استشرى الركود الاقتصادي [وهو انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لمدة تزيد على 6 أشهر] في معظم دول العالم نتيجة تداعيات جائحة فيروس «COVID-19»، واضطراب سلاسل التوريد، وأزمة الجفاف في أوروبا، والحرب الروسية الأوكرانية، والتي دفعت ايضاً بأسعار الطاقة والمواد الغذائية إلى الارتفاع، وهو ما سبّب التضخم الاقتصادي لدى أغلبية دول العالم، وأدى إلى بروز ظاهرة التضخم المصاحب للركود على الساحة الدولية  أو ما يطلق عليه الركود التضخمي.

وفي بدايات سبعينيات القرن العشرين ظهر مصطلح الركود التضخمي للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان لتداعيات الحرب الأمريكية بفيتنام الأثر في ظهور التضخم في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الإنفاق المفرط على المجهود الحربي هناك، كما  كان لارتفاع أسعار الطاقة نتيجة حظر تصدير النفط للغرب أثناء حرب 1973 دور في ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، إضافة إلى إفراط الإدارات الأمريكية المتعاقبة في دعم البرامج الاجتماعية للدعايات الانتخابية، كما فقدت الولايات المتحدة مركزها العالمي في الصناعة وتصدير منتجاتها إلى دول العالم نتيجة نقل المصانع الموجودة في الولايات المتحدة إلى خارج أراضيها من أجل توفير أجور العمال، حيث تصل أجور العمال الأمريكيين إلى أضعاف أجور العمال في بعض دول القارة الآسيوية، كما تضررت بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في حينه زيادة صادرات الولايات المتحدة إلى الخارج، حيث تفضل الدول الحصول على واردات رخيصة من الخارج، وهذا بدوره أدى إلى خفض الإنتاج في الولايات المتحدة، وتسريح الكثير من الموظفين والعمال نتيجة التضخم، وهو الأمر الذي  نتج عنه ارتفاع مستوى البطالة وتراجع النمو الاقتصادي لديهم، فاضطر البنك المركزي الأمريكي إلى رفع  أسعار الفائدة بشكل كبير من أجل كبح التضخم، وهو ما أسفر عن ركود اقتصادي عالمي، وتراكمت على أثره سلسلة من الأزمات في الاقتصادات النامية والأسواق الناشئة في ذلك الوقت.

في الواقع، كان لعودة الركود التضخمي إلى الظهور على الساحة الدولية في عشرينيات القرن الحادى والعشرين الأثر في زيادة معاناة الأسر والأفراد في معظم دول العالم، حيث تآكلت قيمة أجورهم ومدخراتهم نتيجة تضخم ارتفاع الأسعار، لذا أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، في يوليو 2022 عن رفع الميزانية المخصصة لأصحاب الدخل المحدود من العائلات الإماراتية، حيث تمت إضافة مخصصات جديدة، وزيادة علاوات لهم، كعلاوات بدل تضخم، والتي تتضمن المواد الغذائية والماء والكهرباء والوقود، وذلك من أجل رفع مستوى معيشتهم، كما عملت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى دعم المشاريع الزراعية التي تعتمد على أحدث وسائل التكنولوجيا الذكية، وافتُتحت مؤخراً أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم في إمارة دبي باستثمار يصل إلى 150 مليون درهم، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للاحتياجات الغذائية، لكبح تضخم ارتفاع أسعار المواد الغذائية داخل الدولة، وأيضاً لضمان الأمن الغذائي الذي يعتبر أحد عناصر الأمن القومي للدولة، والمساهمة في تعزيز زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

إقرأ المزيد