مجلة الأمن – العدد 556 – يونيو 2021م
بعد نهاية الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 صعد دور الفاعلين من غير الدول «non state actors» على الساحة الدولية نتيجة الفوضى التي عاشها ولا يزال النظام الدولي، حيث كتب البروفيسور صموئيل ناي جونيور، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، في مقالة نشرها في مجلة الشؤون الدولية بعنوان «The Future of American Power: Dominance and Decline in Perspective» بأن النظام الدولي الحالي أحادي القوة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي ما تزال تحتفظ بالتفوق العسكري على باقي دول العالم، ولكن على المستوى المرتبط بالعلاقات الاقتصادية بين الدول، فإن النظام الدولي متعدد الأقطاب، وذلك لوجود أكثر من دولة لديها القوة الاقتصادية كالولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، أما على مستوى العلاقات الدولية العابرة للحدود فتقع خارج سيطرة الحكومات؛ لأنها تشمل أطرافاً فاعلين على الساحة الدولية ولكنهم ليسوا دولاً، كإصدار أشخاص مجهولين لعملات افتراضية لا تخضع لسلطات المصارف المركزية لدول العالم وتداولها في النظام المالي العالمي، ووجود تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، وتهديدات بيئية وصحية واجهتها ولا تزال الدول كالتغيير المناخي أو انتشار الأوبئة، والقراصنة الذين يهددون الأمن السيبراني للدول، إضافة إلى دخول الشركات المتعددة الجنسيات للاستثمار في قطاع الفضاء من خلال تصنيع مركبات الفضاء، وإطلاق البعثات الفضائية، وتنفيذ مشاريع خارج كوكب الأرض كمشروع الإنترنت الفضائي، والذي قد يهدد المصالح القومية للدول.
في عام 2015 أعلن الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس «SpaceX»، عن العمل على تنفيذ مشروع «ستار لينك» والذي سيستغرق تنفيذه عشر سنوات، حيث سيطلق حوالي 12 ألف قمر اصطناعي لتوفير وصول خدمات الإنترنت من خارج نطاق الغلاف الجوي للبشرية في كافة أرجاء الكرة الأرضية بسعر زهيد وسرعة إنترنت عالية، حيث تُحلق أقمار «ستار لينك» الاصطناعية في مدارات مُنخفضة جداً للأرض أقرب 60 مرة من الأقمار الاصطناعية للاتصالات الأخرى وأصغر حجماً منها، ووصل عدد الأقمار الاصطناعية في مايو2021 التي اطلقتها شركة «SpaceX» في الفضاء إلى 1737 قمراً صناعياً، وعليه بدأت الشركة بتقديم خدمات الإنترنت عبر الفضاء بشكل تجريبي للذين اشتركوا في الخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ونيوزلندا، وبعض دول أوروبا.
في الواقع يُشكل مشروع «ستار لينك» تهديداً وجودياً لعلم الفلك، وفقاً لتصريحات الجمعية الأمريكية الفلكية والتي أكدت أن أقمار «ستار لينك» الاصطناعية تهدد الدراسات التي يجريها العلماء على الفضاء، حيث يعتمد علماء الفلك على السماء المظلمة لمراقبة الأجرام السماوية بأكبر قدر ممكن من الدقة من خلال التلسكوبات على الأرض، إلا أنه بسبب الأقمار الاصطناعية التابعة لشركة «SpaceX» التي تدور حول الأرض بارتفاع منخفض والتي تعكس ألواحها اللاقطة للطاقة الشمسية الكثير من ضوء الشمس على سماء الجانب المظلم من الأرض أدى ذلك لإعاقة فرصة العلماء لاكتشاف الكويكبات المحتمل خطورتها على الأرض، علاوة على ذلك بالإمكان أن يُشكل مشروع «ستار لينك» تهديداً لخصوصية وأمن معلومات الأفراد والشركات والدول في جميع أنحاء العالم، حيث إن المخاطر المرتبطة بالهجمات المباشرة على أقمار «ستار لينك» الاصطناعية عبر المحطة الأرضية لشركة «SpaceX» حقيقية، ومن المهم التأكد من أن الأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها من قبل الشركة ستظل آمنة، ومقاومة للهجمات الإلكترونية؛ لأن نقاط ضعفها قد تسبب فوضى في الفضاء، وتضر بالبشر على الأرض في المستقبل.