مجلة الأمن – العدد 609 – يوليو 2022م
صرح كينيث والتز، أحد مؤسسي فكر الواقعية الجديدة في نظرية العلاقات الدولية، في دراسة بعنوان «The Origins of War in Neorealist Theory»، بأنه في حال وجود نظام دولي يتسم بالفوضى [بمعنى بأنه لا يوجد هناك سُلطة عُليا تلجأ إليها الدول في حالة وجود اعتداء عليها]، تدخل الدول الحرب إذا كانت جميع الأطراف تتطلع إلى السُلطة، وأيضاً إذا كانت الدول تسعى فقط إلى ضمان سلامتها من أجل البقاء على الساحة الدولية، وهذا الذي يحدث حالياً مع روسيا الاتحادية وصراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي لضمان أمنها القومي، والذي تهدده أوكرانيا الملاصقة لحدودها.
بدأت جذور الأزمة في فبراير 2014 بعد إطاحة برلمان أوكرانيا برئيس البلاد السابق، فيكتور يانوكوفيتيش، إثر احتجاجات اندلعت من مجموعات يمينية متطرفة بأوكرانيا وبعض المؤيدين للإنضمام للاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما امتنع الرئيس عن توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفضل القيام بالتوقيع على اتفاقية اقتصادية موّسعة مع روسيا لتوافقها مع المصالح القومية للدولة الأوكرانية، حيث إن الروابط الاجتماعية والقومية لروسيا أقرب لأوكرانيا من دول الاتحاد الأوروبي، فأوكرانيا هي منشأ الهوية الروسية التي أسست دولتها الأولى «Kievan Rus» على أراضيها في القرن التاسع الميلادي، وكانت إحدى الدول التابعة للاتحاد السوفيتي الذي تداعى عام 1991، وقامت على أنقاضه روسيا الاتحادية. وعليه قامت روسيا بعد الإطاحة بنظام يانوكوفيتيش بضم شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا إليها، ودعمت الانفصاليين الموّالين لها للاستحواذ على مساحات واسعة في شرقي أوكرانيا في حرب أهلية توقفت بعد اتفاق هدنة مع الحكومة الأوكرانية. إلا أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا تجدد في فبراير 2022 بعد فشل مفاوضات روسيا الاتحادية مع الحكومة الأوكرانية لثنيها عن الإنضمام لمنظمة حلف شمال الأطلسي «NATO» الذي تم تأسيسها عام 1949 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوروبا لتحجيم نفوذ الاتحاد السوفيتي، ومن ثم وريثتها روسيا الاتحادية في القارة الأوروبية، وعليه قامت روسيا بالتدخل العسكري في أوكرانيا لوقف تمدد قوات حلف شمال الأطلسي «NATO» عند حدودها في الوقت الذي يعاني فيه النظام المالي العالمي من ركود اقتصادي ناتج عن تداعيات جائحة «COVID-19» على اقتصادات دوله، تماماً كما فعلت روسيا عند غزوها لجورجيا عام 2008 في أتون الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استطاع الجيش الروسي إسقاط نظام الحُكم الموالي للاتحاد الأوروبي والذي كان يتأهب للدخول أيضاً في حلف شمال الأطلسي «NATO»، في وقت عجزت دول الاتحاد الأوروبي عن التدخل لدعم النظام الموالي لها بسبب انشغالها في التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاداتهم الداخلية.
في الواقع ساهم الصراع القائم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الأراضي الأوكرانية في تداعيات أمنية، منها تسارع معدلات نسب التضخم في اقتصادات دول العالم، نتيجة اضطراب سلاسل التوريد بسبب الحرب من جانب، وارتفاع أسعار الطاقة والمعادن والأغذية من جانبٍ آخر، كما كانت لسياسات فرض العقوبات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ضد روسيا الأثر السلبي على نمو اقتصاداتهم التي كانت تطمح للتعافي من آثار الركود الذي تسببت به جائحة «COVID-19»، كقرار الوقف التدريجي لشراء النفط والغاز الروسي من قبل دول الاتحاد الأوروبي، حيث نتج عن هذا القرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي للضعف في أوروبا، وفق تقرير البنك الدولي في أبريل 2022، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي لدى أوروبا نتيجة تعطل العديد من المصانع التي كانت تعتمد على الطاقة الرخيصة الواردة من روسيا، حيث أن البدائل للإمدادات الطاقة الروسية اسعارها مرتفعة وغير متوفرة لجميع دول الاتحاد الأوروبي، لذا حدث انقسام بين دول الاتحاد الأوروبي حيال الموافقة بالإجماع على قرار حظر شراء الطاقة الروسية، لتعارضه مع مصالح دولهم القومية، في وقت صعدت فيه عملة الروبل الروسي لأعلى مستوى لها منذ 7 سنوات أمام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) على الرغم من العقوبات الاقتصادية والحرب في أوكرانيا.