مجلة الأمن – العدد 602 – ديسمبر 2021م
في الثاني من ديسمبر لعام 2021 أكملت دولة الإمارات نصف قرن على اتحادها في كيان واحد، حيث واجهت الدولة، ولا تزال، العديد من التحديات من أجل بقائها على الساحة الدولية، فقبل يومين من إعلان استقلالها، تعرضت جزر تابعة لها على الخليج العربي للاحتلال من قبل قوات نظام شاه إيران البائد الذي كان يطمح إلى تحويل دولته إلى قوة عظمى تهيمن على منطقة الخليج العربي، إلا أن دولة الإمارات استطاعت بحكمة مُؤسسها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إيران دون التفريط بحق سيادتها على جزرها المحتلة من قبلها حتى حينه. كما استطاعت الدولة من خلال مُؤسسها بناء منظومتها الأمنية من العدم لحماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وأصبحت الدولة في عامها الخمسين في المرتبة الأولى للدول الأكثر أماناً في العالم في تجول الناس ليلاً بمفردهم في شوارعها، وفق نتائج تقرير غالوب للأمن والنظام 2021. واستطاعت الدولة من خلال المشاريع التنموية التي عملت على تنفيذها بمختلف مناطقها بتوجيهات ومتابعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، توفير الرخاء والرفاهية لمواطني الدولة. كما تم الاعتماد على الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء مؤخراً تنفيذاً لرؤية وضعها مُؤسس الدولة في عام 1981، والتي لم يتم تنفيذها في حينه بسبب الظروف الإقليمية المضطربة آنذاك، فضلاً عن ذلك استطاعت الإمارات أن تنفذ رؤية مُؤسس دولتها في استكشاف الفضاء، حيث صرح عن تلك الرؤية في سبعينات القرن العشرين، وتحققت رؤيته في القرن الحادي والعشرين حينما وصل «مسبار الأمل» الذي أطلقته الدولة لمدار كوكب المريخ لاستكشافه في فبراير عام 2021.
إلا أن تبعات جائحة فيروس كورونا «COVID-19» الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تزال قائمة على الساحة الدولية، فعلي المستوى الاقتصادي أدت الجائحة لإصابة الاقتصاد العالمي بالركود نتيجة سياسة الإغلاق التي اتبعتها معظم دول العالم للسيطرة على تفشي الفيروس على أراضيها، وعليه انتشرت البطالة بمختلف دول العالم، وأثرت فيهم اجتماعياً. أما على المستوي السياسي، فأنه من المرجح أن تُحدث الجائحة تغيرات في السياسة الدولية، كما حدث في نهاية الحرب الباردة في عام 1991، حيث صرح صامويل هنتنجتون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد سابقاً، في كتابه «The Clash of Civilizations» بأنه في عالم ما بعد الحرب الباردة بدأت تغيرات لدى هويات الشعوب ورموزها الثقافية وحنين الأغلبية منها لهويتها القديمة وأعلامها السابقة، وهذا الأمر يحدث حالياً في عالم ما بعد كورونا، حيث ارتفع الحس القومي لدى شعوب دول أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نتيجة تداعيات تلك الجائحة على حياتهم أثناء إغلاق حدودهم التي كانت مشتركة في ما بينهم، فعلى سبيل المثال، أعاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ألوان العلم الفرنسي لما قبل عام 1976، عندما غير الرئيس الفرنسي السابق، فاليري جيسكار ديستان، درجة اللون الأزرق الموجود على العلم الفرنسي من اللون الداكن إلى لون فاتح يشبه اللون الموجود على علم الاتحاد الأوروبي، ليعيد ماكرون العلم السابق لفرنسا لتذكير الشعب الفرنسي بالبطولات التي تحققت تحت راياته؛ فقد تم تصميمه عام 1789 بعد الثورة الفرنسية، وتم رفعه في ساحات معارك الحربين العالمية الأولى والثانية، والتي شهدت انتصارات الشعب الفرنسي على أعدائه من الأوربيين.
وعلى الرغم من تلك التحديات التي يمر بها العالم حالياً نتيجة الجائحة، فإن حكومة دولة الإمارات أعلنت في سبتمبر 2021 عن مبادرات «مشاريع الخمسين» والتي تهدف من خلالها إلى مواصلة الإنجازات التي رسم ملامحها مُؤسسها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في الخمسين عام الأولى من إعلان اتحادها، وذلك من خلال وضع استراتيجيات وخطط عمل ورؤية لمستقبل الدولة خلال الخمسين عاماً القادمة. وتقديراً لدولة الإمارات العربية المتحدة ودورها على مدى الخمسين عاماً الماضية في صناعة وبناء المستقبل، اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» يومها الوطني الموافق الثاني من ديسمبر يوماً عالمياً للمستقبل.