مجلة الأمن – العدد 551 -يناير 2021م
أدت جائحة فيروس كورونا المستجد «COVID-19» وسياسة تقييد الحركة وإغلاق الحدود التي اتبعتها معظم دول العالم لاحتواء تفشي الفيروس على أراضيها إلى تعطل سلاسل التوريد العالمية، حيث تُعرف سلاسل التوريد بأنها إحدى الآليات التي لجأ إليها المُنتجون من دول العالم للاستفادة من نظام العولمة الاقتصادية عبر استغلال المزايا الاقتصادية المتاحة في كل دولة لإنتاج مكون أو مكونات محددة في إطار عملية إنتاج السلعة النهائية في مصانعهم المحلية، كالاعتماد الواسع لاستيراد المواد الخام من مناطق التصنيع المنخفضة التكلفة في دولة ما لإنتاج السلع على أراضيها، مما جعلها غير قادرة على إيصال السلع للمستهلكين بعد انقطاع سلاسل التوريد نتيجة سياسة الإغلاق التي حصلت ولا تزال في معظم دول العالم لاحتواء تفشي الجائحة، الأمر الذي أدى لتعطل العديد من المصانع ووقوع خسائر اقتصادية فادحة في دولها نتج عنها آثار اجتماعية في مجتمعاتها المحلية كانتشار البطالة نتيجة غلق المصانع والشركات التجارية.
في الواقع، تحتل الصين المرتبة الأولى في الاستحواذ على سلاسل التوريد العالمية، حيث تعتبر من أكبر الدول الصناعية في العالم، لذا تعتمد معظم الشركات العالمية عليها في تزويدها بمنتجاتها الصناعية مثل مكونات الهواتف الذكية التي تُصنّع بها والتي تبلغ نسبتها 85٪ من الإنتاج العالمي، حيث تلجأ الدول لها بسبب تدني تكلفة أجور الأيادي العاملة لديها وتطور خدماتها اللوجستية المرتبطة بعمليات الإنتاج والتوريد والنقل عن باقي دول العالم. إلا أنه بعد انقطاع الصين عن العالم بعد اتباعها سياسة الاغلاق للحد من تفشي الجائحة على أراضيها والتي كانت بؤرتها مدينة يوهان الصناعية التي كانت تستثمر فيها اكثر من 230 شركة من أكبر خمسمائة شركة على مستوى العالم، كشف ذلك عن مدى هشاشة سلاسل التوريد الذي تسبب بخسائر فادحة للشركات التي كانت تعتمد عليها، وعليه تم التحول التدريجي في انتاج الشركات الصناعية الوطنية للسلع المعتمدة على هذه السلاسل داخل حدودها.
وعليه، يتضح بأن السياسة الدولية بعد القضاء على جائحة «COVID-19» العالمية ستتجه للعودة إلى نظام القومية الاقتصادية بعد التأكد من هشاشة العولمة الاقتصادية في الحفاظ على اقتصادات الدول الوطنية أثناء الأزمات الدولية، حيث أصبحت الحاجة للاكتفاء الذاتي مطلب أساسي للبقاء على الساحة الدولية، ودعم الحكومات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق وظائف لمواطنيها وانتاج ما تستورده داخل أراضيها لتوطين سلاسل إمداد قطاع الصناعة أصبح ضرورة لمواجهة التهديدات الغير متوقعة على الساحة الدولية.