سجلات المخاطر المحلية وأثرها علي السياسة الدولية

بـ almualladev

مجلة الأمن – العدد 558 – أغسطس 2021م

صرح ريتشارد ليبو في كتاب «International Relations Theories :Discipline and Diversit» بأن بعض مفكري الواقعية الكلاسيكية في نظرية العلاقات الدولية يؤكدون على أوجه التشابه وليس الاختلاف بين السياسات المحلية والدولية، ودور المجتمع في تعزيز الاستقرار في كلا المجالين، حيث يؤمن غالبيتهم بأنه في نظام دولي يتسم بالفوضى كالنظام العالمي الحالي [الذي تتم إدارة تفاعلاته عبر التوافق بين مكوناته] تُركز الدول على توفير الإمكانيات المادية والدخول في تحالفات دولية من أجل البقاء، فمن خلال توفر الإمكانيات المادية والدخول في تحالفات دولية تعمل الدول من خلالها على دعم سلطتها المركزية في الداخل من أجل الحفاظ على أرواح مواطنيها والمقيمين على أراضيها وممتلكاتهم ودفع عجلة الاقتصاد وحماية منافذها الحدودية لضمان أمن واستقرار المجتمع.

في الواقع تطورت المنظومة الأمنية على الساحة الدولية في القرن الواحد والعشرون؛ حيث تم إدراج سجلات المخاطر المحلية كجزء من استراتيجية الأمن القومي الخاصة بالدول، فمن خلال تلك السجلات تعمل الدول على معرفة المخاطر والتهديدات الكبرى المتوقع حدوثها على أراضيها، وبعد تحليل وتقييم تلك المخاطر يتم تحديد استراتيجيات التعامل معها والجهات المسؤولة لمواجهتها، والعمل على تنفيذ تمارين طاولة وتمارين ميدانية لرفع جاهزية الفرق المتخصصة لمواجهة تلك المخاطر ورصد نقاط التحسين على الإجراءات الموضوعة لمواجهتها من أجل تغطيتها حتى يتم تلافيها في المستقبل، كما يتم مراجعة تلك السجلات بشكل دوري لضمان تمكين جميع الجهات المعنية بالدولة من الاستعداد والاستجابة ومواجهة المخاطر المرصودة بمرونة عالية لهدف تحقيق بيئة آمنة ومستقرة لأفراد المجتمع. 

في الجانب الآخر، تعمل بعض وزارات خارجية دول العالم على إعداد سجل المخاطر المتعلقة بمصالحها القومية لكل دولة تكون لها بعثة دبلوماسية على أراضيها، بحيث لو أصدرت حكومات تلك الدول قرارات أو توجهات أو وقعت أحداث قد تضر من مصالح دولها القومية تقوم بمعالجة تلك المخاطر من خلال الخطط الموضوعة للتعامل معها للحد من آثارها قبل تفاقمها وتأثيرها سلباً على أمنها القومي. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كان بإمكان البعثات الدبلوماسية الأجنبية ملاحظة ورصد كيفية تعامل الحكومة الصينية في أواخر عام  2019 مع معضلة انتشار فيروس كورونا المستجد «COVID-19» في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي، فقد كان باستطاعة النظام الصيني احتواء هذا الفيروس من خلال اكتشاف الحالات المصابة وعزلها عن الغير مصابين به وفرض الإجراءات الاحترازية للوقاية من الإصابة بالفيروس في المدينة الموبوءة قبل انتشاره خارج حدودها، حيث تكتم النظام الصيني في بدايات انتشار الوباء عن الكارثة في تلك المدينة التي يصل عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، واستمر السكان في ممارسة حياتهم الطبيعية والاحتفال بالعام الصيني الجديد في يناير 2020 دون اتباع إجراءات احترازية تحميهم من الإصابة بالفيروس، وبعد تزايد حالات العدوى في المدينة والمدن الكبرى المجاورة لها أعلنت السلطات عن تفشي الوباء في مدينة ووهان وفرض إغلاق تام للمدينة والمدن المجاورة لها للحد من انتشار الفيروس لمناطق أخرى في الصين، علماً بإن خطر انتشار الأوبئة موجود في سجل المخاطر المحلي لجمهورية الصين الشعبية، وكانت لدى السلطات الصينية الإجراءات الكفيلة بمواجهته في بداياته للقضاء عليه والتعافي من آثاره، فالصين كانت لديها تجربة سابقة ناجحة في احتواء فيروس «سارس» الذي انتشر على أراضيها بين عامي 2002 و2003 وكانت آثاره الجانبية اخطر من آثار هذا الفيروس الذي لا يزال العالم يعاني من تداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.  

إقرأ المزيد