توطين الموارد البشرية في قطاعات الدولة القومية .. التبعات والتحديات

بـ almualladev

مجلة الأمن – العدد 538 – نوفمبر 2019م

الدولة القومية أو مايطلق عليها باللغة الإنجليزية (the nation state) هي التي تشكلها الأُمة من أجل حماية مصالحها ووجودها على أراضيها. لذا يعتبر توطين الوظائف ضرورة اقتصادية واجتماعية وأمنية للدول القومية لبقائها على الساحة الدولية.

فعلى المستوى الاقتصادي، تزيد مدخولات رواتب الموظفين المواطنين من حجم الادخار في البنوك المحلية الأمر الذي يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للدولة، وذلك بعكس مدخولات رواتب وأجور الموظفين الأجانب المقيمين في الدولة التي يتسرب معظمها لخارج حدودها من خلال تحويلها لبلدانهم، الأمر الذي يؤدي لاستنزاف السيولة المحلية والعملات الأجنبية التي تدعم الاقتصاد القومي للدولة من أجل دعم اقتصادات دول أخرى.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن خلق الحكومات الوظائف لمواطنيها هي ضمانة لاستقرار مجتمعاتهم، لأن المجتمع الذي يخلو من تكافؤ الفرص لاستحواذ الوظائف بين مواطنيه والأجانب المقيمين على أراضيه وتضيق بهم أسواق العمل ويوصد أبواب المستقبل في وجه الطامحين من أبنائه هو مجتمع قابل للتفكك وسينتج عنه انهيار الدولة القائمة عليه. فعلى سبيل المثال، كان أبرز الأسباب التي أدت لتصويت الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016  هو توفير الوظائف لمواطنيها، لأن قضية الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا كانت تشكل هاجساً لدى المجتمع البريطاني لبلوغ عدد الأوروبيين المقيمين على أراضيها نحو 3.3 ملايين نسمة وفقاً لإحصاءات الحكومة البريطانية، وكان المهاجرين المنحدرين من دول شرق أوروبا يقتنصون الوظائف من البريطانيين بسبب تدني أجورهم. لذلك صرح بوريس جونسون، عمدة لندن السابق ورئيس وزراء بريطانيا الحالي، أثناء الحملات الدعائية للمصوتين البريطانيين قبل الاستفتاء، إن قرابة 300 ألف وظيفة سوف تخلق للمواطنين إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

أيضاً على المستوى الأمني فإن توطين الوظائف المتعلقة بالقطاعات الحيوية في الدول كقطاع الشرطة والأمن العام والطاقة والاتصالات هو ضمانة أساسية لحفظ أمن واستقرار مجتمعاتها، لأن الكوادر الوطنية هي الأحرص على حماية مصالح دولتهم القومية من الكوادر الأجنبية.  

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يعتبر توطين الوظائف في القطاع العام والخاص أحد أبرز مؤشرات الأداء الرئيسية لرؤية حكومتها الاتحادية لعام 2021 نظراً لأهمية ملف توطين الوظائف في دعم أمن واستقرار الدولة، إلا أن نسب التوطين في القطاع الخاص لا تزال متدنية بسبب عدة عوامل منها عدم وجود قاعدة بيانات موحدة ودقيقة لجميع مواطني الدولة الباحثين عن العمل تتضمن مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية لدى وزارة الموارد البشرية والتوطين، الجهة الحكومية المسؤولة عن توفير فرص العمل المناسبة للمواطنين في سوق العمل المحلي،[1] من أجل القيام بالتنسيق ومتابعة الوظائف الشاغرة لدى القطاع الخاص التي تتلائم مع مؤهلات وخبرات المواطنين الباحثين عن العمل المسجلين لديها، بالإضافة إلى وجود تهاون وتقصير في بعض مؤسسات القطاع الخاص لتوظيف المواطنين لديها. وعليه، صرح سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، بأن «ملف التوطين يحتاج إلى تفكير جديد.. ورؤية جديدة.. والمؤسسات التي تتهاون أو تتلاعب في أرقام التوطين هي جهات تطعن في أمن الوطن واستقراره». وحرصاً على دعم ملف التوطين أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في جلسة لمجلس الوزراء خصصها لملف التوطين عشرة قرارات استراتيجية للارتقاء بنسب التوطين في كافة القطاعات في الدولة مصرحاً بأنه «لو احتجنا لمائة قرار جديد لدعم الملف لن نتردد» لأن «قوة الدول بقوة مواردها البشرية».


[1]  المادة رقم (11) من القانون الاتحادي المعدل رقم (8) لسنة 1980.

إقرأ المزيد