مجلة الأمن – العدد 535 – آغسطس 2019م
في السنوات الأخيرة تصاعدت ظاهرة تسرب المعلومات المصنفة سرية للدول على الساحة الدولية، وذلك لعدة أسباب منها الدافع المادي للموظف الحكومي المُطَّلِع على تلك المعلومات الذي قد يبيعها لدول معادية لدولته أو لإحدى الجماعات الإرهابية التي تدفع مبالغ طائلة مقابل
الحصول على تلك المعلومات، وفي حالات أخرى يقوم بعض الموظفين الحكوميين بتسريب تلك المعلومات بالمجان بدافع احقية وصول الناس إلي المعلومة من دون أي قيود أو احتكار من جانب المؤسسات الحكومية التي تمتلكها وذلك بصرف النظر إذا كانت تلك المعلومة ستضر أمن ملايين البشر في العالم، فعلى سبيل المثال سرب موظفين حكوميين على موقع ويكيليكس آلاف الوثائق السرية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية حول حرب أفغانستان والعراق، الأمر الذي عرض حياة آلاف الجنود الأمريكيين وحلفائهم للخطر هناك من قبل الإرهابيين الذين استفادوا من المعلومات الموجودة في الوثائق، بالإضافة إلى أن الموقع سرب أكثر من ٢٥٠ ألف وثيقة دبلوماسية سرية تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، منها وثيقة تحوي قائمة على مواقع البنية التحتية الحيوية في العالم المرتبطة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدي الكشف عن تلك المواقع تعريض حياة ملايين البشر القاطنين بجوارها للهلاك، حيث أصبحت تلك المواقع أهداف لهجمات عناصر التنظيمات الإرهابية والدول المعادية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل.
ومن الأسباب الشائعة لتسرب المعلومات المصنفة سرية أن الموظف المؤتمن عليها تم اختياره ليس لكفاءة عنده بحيث يقدر أن يتعامل مع تلك المعلومات، بل لضعف معين به ليبقى ولاءه الحقيقي لمن اختاره، حيث يلجئ هذا الموظف لأشخاص غير مصرح لهم بالإطلاع على تلك المعلومات لمعاونته للقيام بمهام عمله، الأمر الذي يساهم من تسريب تلك المعلومات خارج نطاق المؤسسة التي يعمل بها من قبل الأشخاص الذين استعان بهم. أيضاً قد يكون المسؤول المؤتمن على تلك المعلومات والبيانات السرية لا يوجد لديه وعي حيال أمن المعلومات وكيفية تأمين تداول المعلومات داخل نطاق الأشخاص المعنيين فقط بالاطلاع عليها، كحالة وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، التي كانت تستخدم بريدها الإلكتروني الشخصي في المراسلات الرسمية بدلاً من البريد الإلكتروني الرسمي التابع لوزارة
الخارجية الأمريكية من عام 2009 إلى 2013، حيث كشفت صحيفة “Daily Caller” في تاريخ 2018/8/28 أن شركة خارج الولايات المتحدة استطاعت اختراق خادم البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون حين كانت وزيرة للخارجية، ونجحت عملياً في الوصول إلى كافة المراسلات الموجودة فيه التي تتضمن معلومات مصنفة سرية وسرية للغاية، الأمر الذي أضر بالأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية.
في الواقع، تكمن خطورة الكشف غير المسؤول وغير المصرح به عن المعلومات والبيانات المصنفة سرية للدول إلى إطلاع الدول المعادية لها وعناصر التنظيمات الإرهابية على الخطط الأمنية والتكتيكات والتكنولوجيا التي تستخدمها أجهزتها العسكرية والأمنية من أجل الحفاظ على أمن مواطنيها والمقيمين على أراضيها وضمان إستقرار مجتمعاتها أثناء حالات الطوارئ والأزمات والكوارث، لذا فإن المشرع في دولة الإمارات العربية المتحدة تنبه لخطورة هذا الفعل الذي قد ينتج عنه كارثة من صنع أعداء الدولة أو خلق أزمة من خلال عناصرها لزعزعة أمن واستقرار الدولة، حيث نصت المادة 159 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 المعدل بقانون اتحادي رقم 7 لسنة 2016 على أنه يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام او مكلف بخدمة عامة افشى سراً اؤتمن عليه من اسرار الدفاع عن الدولة وتكون العقوبة السجن المؤبد اذا وقعت الجريمة في زمن الحرب. وعليه فإنه يجب عدم التهاون حيال مرتكبي تلك الجريمة والتواصل مع الجهات الأمنية في الدولة للإبلاغ عنهم للحفاظ على أمن الوطن وبقاءه.