مجلة الأمن – العدد 530 – مارس 2019م
الشعب الياباني هم مجموعة من الناس تتقاسم نفس الثقافة والعرق والتراث طوال آلاف السنين, ومن ضمن القيم الجوهرية التي ورثوها عن أسلافهم هي الإنتماء إلى أرضهم رغم المحن الناتجة عن عن الأزمات والكوارث التي تعصف بهم.
فخلال تاريخ اليابان المعاصر تعرضت اليابان لأزمات وكوارث كثيرة, أبرزها زلزال كانتو الكبير الذي ضرب تلك المنطقة الواقعة في جزيرة “هونشو” في اليابان علم 1923م وأدت تداعياته إلى مقتل مايزيد على 100 ألف شخص, حيث سُحق بعض منهم نتيجة تساقط الأنقاض عليهم في حين لقي آخرون مصرعهم بسبب الحرائق التي سببها الزلزال أو الغرق في الأنهار بينما كان يحاولون الهرب من النيران, وأشار الكاتب الروسي بوريس بيلنياك في كتابه “جذور الشمس اليابانية” – “Roots of the Japanese Sun” – أنه في خضم الفوضى الناتجة عن هذه الكارثة, حافظ اليابانيون على رزانتهم, حيث عاد الناجون منهم لإنتشال الجثث, وعُثِرَ على أطفال كانوا لايزالوا على قيد الحياة بين الجثث المتفحمة, الذين استطاعوا من خلال تضحيتهم إنقاذ الأطفال بأجسادهم.
كما تعرضت اليابان لأكبر كارثة تتعرض لها دولة في الفرن العشرين, نتيجة مشاركتها دول المحور في الحرب العالمية الثانية, ففي عام 1945م تعرضت مدينتا هيروشيما و ناجازاكي لقنبلتين ذريتين ودمرت أغلب المدن الكبرى في اليابان نتيجة القصف المنظم من قبل الطائرات الأمريكية, في عملية انتقامية بسبب الهجوم الذي تعرضت له قواتها في ميناء “بيرل هاربر” من قبل القوات اليابانية, إلا أنه بعد كل انهيار في البنية التحتية في اليابان لايقابله انهيار في معنويات الشعب الياباني, حيث تعود اليابان للنهوض من تحت الرماد بسواعدهم, فتحولت بعد عقدين من انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الوايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 2011م تعرضت اليابان لثلاث كوارث متزامنة وغير مسبوقة, ليس فقط في تاريخ اليابان بل العالم بأسره, حيث تعرضت الأراضي اليابانية لزلزال شرق اليابان الكبير, وأعقبه موجات مد تسونامي, والذي نتج عنه حادث تسرب نووي في مفاعل “فوكوشيما”, الأمر الذي ساهم في نزوح مايقارب 150 ألفاً من السكان للنجاة من أضرار الكوارث الثلاث في مناطقهم, ورغم ذلك تم التعافي من هذه الكوارث نتيجة تلاحم المجتمع الياباني وإعادة إعمار المدن المتضررة.
وفي الختام, نتيجة لحرص اليابان على الحفاظ على ثوابت قيمهم الجوهرية الموجودة في هويتهم الوطنية والتي يأتي على رأسها الإنتماء, من خلال وضعها في المناهج التعليمية للمدارس والجامعات, واستطاعت اليابان استعادة زمام الأمور بعد كل أزمة أو كارثة حدثت ولاتزال على أراضيهم, حيث يواصل الشعب الياباني التعايش مع الظواهر الطبيعية والمحن, والعمل من أجل الإستفادة من هذه الظواهر وتداعياتها لتحويلها إلى دافع لنهوض المجتمع الياباني واستمرارية دولته في البقاء.