مجلة الأمن – العدد 553 – مارس 2021م
تشكل النظام النقدي العالمي الحالي في عام 1944 باتفاقية تم توقيعها في «Bretton Woods» في ولاية نيوهامشر بالولايات المتحدة الأمريكية من قبل ممثلي أربع وأربعين دولة، حيث تم الاتفاق على ثبات سعر صرف العملات الوطنية مقابل ضمان تعادل قيمتها من الذّهب وفق نظام «Gold Exchange Standard»، وفيها تقوم الدّول بإصدار عملاتها النّقدية بوزن محدد من الذّهب الذي تحتفظ به في مصارفها المركزية لتثبيت القوة الشّرائية للنقود، أو من خلال الاعتماد على الدولار الأمريكي كغطاء لإصدار ما تحتاج إليه من عملات، حيث تعهدت الحكومة الأمريكية بالالتزام بتحويل كلّ ما يقدم إليها من دول العالم من دولارات إلى ذهب ومن ذهب إلى دولارات بمعدل صرف ثابت مقداره 35 دولاراً أمريكياً للأوقية الواحدة من الذّهب، حيث كانت ولا تزال سياسة سعر الصّرف من أهم أدوات السياسة النقدية الفعالة لحماية الاقتصادات الوطنية من التضخم أو الصدمات الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها في المستقبل. إلا أن النظام النقدي العالمي المستقر بدأ بالتداعي تدريجياً نتيجة قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عن إلتزاماتها بتحويل الدولار إلى ذهب في عام 1971، حيث تم استبدال نظام تثبيت أسعار العملات بنظام التعويم، وهو النظام الذي يترك تحديد سعر صرف العملة لعامل السوق من حيث العرض والطلب دون تدخل المصارف المركزية التابعة للدول الوطنية.
وفي بدايات القرن الواحد والعشرين ظهرت العملات الرّقمية المشفرة على النظام النقدي والمالي العالمي، حيث إن معظمها لا يخضع لمصارف مركزية تابعة لدول وطنية تضمن ثبات واستقرار قوتها الشرائية وقانونية تعاملاتها التجارية، كعملة بيتكوين « Bitcoin» الرقمية المشفرة التي أسست من قبل أشخاص مجهولين، ويتم تداولها على شبكة الإنترنت منذ عام 2009 لاستخدامها في التعاملات المالية على مستوى العالم، حيث لا تحتاج لمتطلبات أو أشياء بالغة التعقيد لتداولها، فعملية التحويل من خلالها تتطلب معرفة رقم المحفظة الإلكترونية للشخص المحوَّل إليه فقط ومعلومات التحويل تُخزَّن برقم متسلسل خاص لا يتضمن اسم المُرسل أو المُستلم، لذا لاقت ولا تزال رواجاً لدى أنظمة الدول الواقعة تحت حصار اقتصادي وبعض المنظمات الإرهابية والإجرامية الدولية من أجل إتمام معاملاتها المخالفة للقوانين الدولية التي تضمن بقائها على الساحة الدولية. من الجانب الاخر، اتجهت دول مثل الصين لإطلاق عملة وطنية رقمية مشفرة من أجل تقوية اقتصادها، حيث تبلغ قيمة عملتها الوطنية «اليوان» أكثر من %2 من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية مقارنةً بالدولار الأمريكي الذي يشكل أكثر من %60 بالرغم من كون الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعليه بدأت الصين بمشروع عملة «اليوان الرقمي» منذ أبريل عام 2020 ووضعته تحت التجربة مبدئياً داخل حدودها إلى عام 2023، وذلك قبل أن تعتمد العملة رسمياً في معاملاتها التجارية خارج نطاق حدودها.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقوم حكومتها برسم استراتيجية للخمسين عاماً المقبلة بعد استقلالها من أجل مستقبل واعد لأجيالها القادمة، نأمل بأن يتم تبني إصدار عملة رقمية مشفرة للدولة تحت تنظيم وإشراف المصرف المركزي، حيث إنَّ تنظيم السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية للدولة الاتحادية والإشراف على تنفيذها من مهام المصرف المركزي، لذا فإننا نقترح أن يكون من مهامه العمل على إصدار العملات النقدية الورقية والرقمية والحفاظ على التعادل في قيمتهم الشرائية، من أجل نيل الثقة لتداول «الدرهم الإماراتي الرقمي» في الأسواق المالية المحلية والعالمية، ومن خلال المعاملات المالية المنجزة بالعملة الرقمية سيسمح للمصرف بإدارة المعروض النقدي المزدوَّج بشكل أفضل داخل الدولة، ومراقبة المدفوعات والتجاوزات غير القانونية في النظام المالي للدولة، كما بإمكان الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية الاعتماد على العملة الرقمية للتحفيز المباشر لبعض القطاعات الحيوية والاقتصادية المتأثرة من الصدمات المالية الخارجية كأزمة الركود الاقتصادي العالمي الحالي الناتجة عن جائحة فيروس كورونا المستجد «COVID-19» لضمان سرعة التعافي، ودفع عجلة الاقتصاد من أجل نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة.