الأبعاد الأمنية لتزوير الشهادات العلميَّة

بـ almualladev

مجلة الأمن – العدد 537 – أكتوبر 2019م

تزوير الشهادات العلميَّة هي جريمة في حق المجتمع في المقام الأول قبل أن تكون جريمة جنائية يُعاقب عليها القانون، حيث تنص المادة 217 من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم 3 لسنة 1987 وتعديلاته بالقانون رقم 34 لسنة 2005 وبالقانون رقم 52 لسنة 2006 على أنه يُعاقب على التزوير في محرر رسمي بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، حيث أشار سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في مقاله له بصحيفة الاتحاد بعنوان « تزوير الشهادات العلميَّة.. جريمة في حق الحاضر والمستقبل»، إن مجتمعاً تتفشي فيه ظاهرة تزوير الشهادات العلميَّة هو «مجتمع في خطر»، نظراً لأن الأبعاد المُترتبة على هذه الظاهرة تساهم في زعزعة أمن واستقرار المجتمع.

في الواقع يشكل موضوع تزوير الشهادات العلميَّة عدة تهديدات تمس أمن واستقرار الوطن، حيث تستخدم الشهادات العلميَّة المزوَّرة من قبل بعض الأشخاص للوصول إلى ترقيات ومناصب عليا في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التي يعملون بها، حيث قد يتم تكليفهم بموجبها لوظائف مهمة وحساسة، لا يملكون المعرفة أو العلم أو الخبرة الكافية للتعامل مع مهامها، الأمر الذي قد يُضعف من تلك المؤسسات على المدى القصير وينعكس ذلك سلباً على أمن واستقرار الدولة على المدى الطويل. كما يلجأ بعض الأجانب من خارج الدولة لتزوير الشهادات العلميَّة للحصول على تأشيرة طالب للعمل داخل الدولة تحت غطائها، حيث يُسمح للجامعات والكليات المعتمدة في دولة الإمارات العربية المتحدة تقديم طلبات الحصول على تأشيرة لطلابهم المقبولين سواء الطلبة الأجانب من خارج الدولة أو الأجانب المقيمين حالياً في الدولة، حيث لا تشترط بعض تلك الجامعات والكليات معادلة الشهادات الدراسية والعلميَّة الصادرة من خارج الدولة في وزارة التربية والتعليم التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة من أجل قبول الطلبة للدراسة فيها، مما قد يسمح بتمرير بعض الشهادات الدراسية والجامعية المزورة نتيجة عدم التدقيق عليها من قبل الجهة الرسمية المسؤولة في الحكومة الاتحادية للتأكد من صحة الشهادات العلميَّة الصادرة من خارج الدولة وهي لجنة معادلة الشهادات بوزارة التربية والتعليم. أضف إلى ذلك، أن بعض الأجانب يقوموا بتزوير الشهادات العلميَّة للحصول على وظائف وتأشيرات عمل داخل الدولة تتناسب مع المؤهل العملي المزوَّر الذي يزعمون بحصولهم عليه، حيث أن وزارة الموارد البشرية والتوطين تلزم أصحاب المؤسسات والشركات التابعة للقطاع الخاص بالدولة الراغبين باستخراج  تصريح عمل من الوزارة لموظفينهم من فئة الاختصاصيين والفنيين والعمال الماهرين بوجوب أن تكون لديهم مؤهلات علميَّة مصدقة من وزارة الخارجية والتعاون الدولي فقط ولا يستوجب معادلتها في وزارة التربية والتعليم للتأكد من مصداقيتها، فعلى سبيل المثال تم الكشف عن طريق الصدفة في عام 2006 عن مُقيم أجنبي يعمل مدير شركة خاصة في إحدى إمارات الدولة منذ 30 عاماً بشهادة دكتوراه مزورة، وذلك إثر تقدم إحدى الشركات بطلب نقل كفالة صاحب الشهادة العلميَّة المزورة للعمل مديراً لها من شركة أخرى.

تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة نموذج يحتذى به من كل دول العالم في الأمن والتنمية والاقتصاد وجودة التعليم، حيث بإمكان وضع تدابير تكفل منع تفشي تلك الجرائم في المجتمع والقبض على مرتكبيها، كالعمل على تكليف الجهات الرقابية لمراجعة كافة الشهادات العلميَّة لموظفي الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، بالإضافة إلى إلزام وزارة التربية والتعليم مؤسسات التعليم العالي المعتمدة لديهم في الدولة بمعادلة الشهادات الدراسية والعلميَّة لجميع الطلبة الراغبين بالانتساب لها كشرط للقبول، أخيراً بإمكان وزارة الموارد البشرية والتوطين أن تعمم على القطاع الخاص على وجوب أن يتم معادلة الشهادات العلميَّة والمهنية الصادرة من خارج الدولة لموظفيهم من فئة الاختصاصيين والفنيين والعمال الماهرين في وزارة التربية والتعليم كشرط لمنحهم تصاريح وتأشيرة عمل داخل الدولة وليس الإكتفاء بتصديق شهاداتهم في قسم التصديقات بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، حيث من شأن هذه التدابير أن تحد من تلك الجرائم التي تهدد من أمن واستقرار المجتمع.

إقرأ المزيد